يحكى أن هشام بن عبد الملك بن مروان كان ذاهباً إلى الصيد فنظر إلى ظبي فتبعه فبينما هو خلفه أبصر صبيا من الأعراب يرعى غنماً فطلب منه أن يأتيه به فرفع الصبي رأسه ونعته بالجاهل وأن كلامه كلام جبار وفعله فعل حمار،فقال هشام:ويلك أما تعرفني؟فرد عليه الطفل أن سوء أدبه عرفه به ثم أضاف أنه كثير الكلام قليل الإكرام.
فأمر أمير المؤمنين جنده بالقبض عليه,ولما رجع إلى قصره طلب الأعرابي الذي لم يكترث بأرباب الدولة وامتنع عن السلام،فأخذ بعض الخدم يشتمونه لامتناعه عن ذلك,وكان الصبي يرد عليهم بسخرية واستهزاء,ازداد غضب الأمير الذي أخبره أن كلامه يقرب أجله و ينقص من عمره,فأجابه أنه ما من تقصير في الأجل والعمر,وهكذا كان الغلام يخاطب الأمير كلمة بكلمة ويشتمه ويسخر منه فاغتاظ هشام وطلب من السياف أن يقطع رأسه فسل سيفه و أخذ يستأذن الأمير مرة وثانية ففهم الفتى أنها آخر فرصة له فضحك فازداد هشام غضباً فسأله عن ضحكه,فأجابه بهذه الأبيات: نبئت أن الباز صادف مرة عصفور بر ساقه المقدور
فتكلم العصفور في أظفاره و الباز منهمك عليه يطير
مثلي مايغني لمثلك شبعة و لئن أكلت فإنني حقير
فتبسم الباز المذل بنفسه عجبا و أفلت ذلك العصفور
فتبسم هشام وطلب من الخدم أن يلبسوه ويملئوا جيوبه جوهرا .